منذ وصلت كندا، كانت تلفت إنتباهي الكثير من التفاصيل الصغيرة في طريقة عمل بعض الموظفين البسطاء ،و التي أعتبرها هي سر التميز، كنت مثل كثيرين غيري، لديه فكرة خاطئة عن مفهوم الإبداع الوظيفي، و أن الإبداع حكرا على مستوى وظيفي معين دون غيره. كانت هذه فكرتي الراسخة مثل غيري حتى شاهدت هؤلاء المبدعين.
كنت ذات صباح في مقهى كندي شهير، مستغرقا في التفكير في أمر هام، ولم يكن مزاجي في أحسن أحواله وقتها، حتى لمحته فجأة، شحَّاذ،والتي يعدها البعض وظيفة في الغرب، يمر بين الطاولات و يوزع اوراقا صغيرة فيها نكات ومقولات مضحكة وعبارات تفاؤل مع كلمة ” أتمنى لك يوما رائعا “يقرأها الناس و يمنحونه بعدها ما تيسر من النقود”، جاء لطاولتي و ابتسم لي و منحني ورقة صغيرة، فإنطلق وقتها الحضرمي الذي بداخلي و تجاهلته في المرة الأولى ، فعاد لي بذكاء و قال: يبدو أن مزاجك ليس على ما يرام هذا الصباح، هل تحب أن أدعوك على كوب قهوة. ضحكت وقلت في نفسي: أضحكتني أضحك الله سنك وغلبت الحضرمي الذي بداخلي، ثم قلت ياغلام: أعطه دولارين كاملين . 🙂
وفي يوم آخر كنت في سوق خضار كندي، شاهدت تحلق الناس على بائع دون غيره، دفعني فضولي للذهاب لهذا البائع لأعرف ماذا يبيع. تقدمت نحوه وسط الزحام، تفاجأت أن بضاعته مثل كل البضائع، خيار و طماطم. لكن ما سر هذا الزحام حول هذا البائع تحديدا ، و دون غيره من الباعة الذين يعانون البطالة 🙂 ، فجأة لمحت لوحة مكتوب عليها، اشتر كيلو خيار و احصل على نكتة مجاناً.
كان البائع مبهر جداً في إطلاق النكات و عرضه مسرحي فاخر جدا وكأنه ممثل محترف. ضحكت كثيرا على أشياء فهمتها وضحكت أكثر على ضحك الجمهور و أشياء لم أفهمها،لكني في النهاية عدت لسيارتي وقد أشتريت كيلو خيار لا أحتاجه، أنظر للخيار وأتمتم : ضحك الكندي على الحضرمي للمرة الثانية 🙂
وفي الولايات المتحدة، رفض بائع حلوى القطن، أن يكون بائعاً تقليديا يشبه البقية، يقف كأي تمثال ينتظر الزبائن، فوضع لمساته البسيطة التي تسحر العين، فكان يضع إضاءات ليلية مبهرة، وخلفية موسيقية و يقوم بالرقص أثناء إعداده حلوى القطن، كان الآباء قبل أبناءهم يتسابقون لمشاهدة هذا البائع المبهر في استعراضه وطريقة عرضه لسلعته. ثم يكافئونه على إبداعه بشرائهم من حلوته
في أحد اللقاءات الصحفية التي أجروها مع الزبائن والبائع، كشف الكثير من المشترين، أن طريقة عرض هذا البائع هي من جذبتهم إليه تحديدا دون بقية البائعين الذين يغص بهم المكان، لاشيء يميز بضاعة هذا البائع تحديدا عن البقية، بل ربما أن بعض الباعة يصنعون حلوى ألذ من حلوته، ولكنه ذكاء هذا البائع و إصراره أن يكون مميزا.
وفي مملكتنا الحبيبة انتشر مقطع لبائع آسيوي في محل قهوة و محبوب من الكثيرين، هذا البائع يقدم خدمته من النافذة لخدمة السيارات، و يقوم أثناء عمله بمشاغبة زبائنه بإلقاء الشعر الشعبي و التحدث بلهجة سعودية،مما يسعد الزبائن و يضحكهم ، حتى تكونت علاقة ود ومحبة معهم.
حتى في ابسط المهن نستطيع ان تبتكر و نتميز عن غيرنا، لا عذر لأي موظف يتحجج بأن وظيفته بسيطة لا مجال للإبداع فيها، أو أن مهامه الوظيفة روتينية لا تسمح لنا بأن نضع لمساتنا، كل هؤلاء الباعة الأبطال الذين ذكرتهم لم يحبوا أن يكونوا عمالا تقليدين يشبهون البقية، و أصروا أن يضعوا لمستهم الإبداعية ببساطة و دون تعقيد، فتميزوا عن غيرهم ونالوا محبة الناس.
—-
محمد باخشوين
@msb1208


nokatnokat5
مشكوووووووووووور على هذه نكت وننتظر الكثير من النكت الجميلة التى تقدمها الينا