
كأي شاب سعودي وعربي ، مرت بي بعض تجارب الفشل، بعضها أتذكرها جيداً والبعض الآخر نسيته تماماً فيما البعض الثالث أتناساها، لكن الذي يجمع بين أنواع الفشل الثلاثة هو كراهيتي لها جميعاً عن بكرة أبيها و تألمي لتذكرها .
مرت الأيام و ذهبت بعدها و أقمت في كندا للدراسة وفي أحد الأيام وبينما أنا انتظر في مكتب أحد الموظفين الكنديين ، لمحت في جدار مكتبه ورقة بيضاء مكتوب فيها تواريخ و أرقام ، اقتربت منها مستغرباً ، فالورقة عبارة عن جدول يحصر مرات الفشل ، فشل رقم 1 ، فشل رقم 2 حتى فشل رقم 7 . اندهشت كثيراً و أنا أتأمل صحيفة السوابق أو شهادة الفشل التي أمامي وأنا أقول بصمت : “يا فاشل، 7 مرات ساقط ولك عين تعلِّق فشلك” .
دخل الموظف مكتبه ولمح علامة الدهشة في وجهي لدرجة أني تركت مناقشة موضوعي الرئيسي و سألته مباشرة عن السر في حصر مرات الفشل، و سألته عن ما إذا كان تعليق فشله في الجدار شيء يشعره بالألم.
ابتسم الموظف قائلاً: أنني أعلِّق مرات فشلي بجانب شهادة الماجستير، فكليهما هام بالنسبة لي و أكسباني المعرفة و المهارة و الخبرة. وكلما زادت مرات الفشل كلما أكتسب الخبرة و أشعر بسعادة منبعها عدم يأسي أو استسلامي للفشل، فأنا لا أنظر أبداً للفشل كأنه عدو، بل أنظر له كأب يقسو علي بكلماته ليوصلني للنجاح.
غادرت مكتبه محملاً بعلامات الدهشة و الإستفهام و أنا فاتحاً فمي غير مستوعب لما يجري حولي مثل قروي للتو أخذوه من بيته الطيني و وضعوه أمام ناطحة سحاب، عدت أكثر شوقاً لسبر أغوار هذه الثقافة الجديدة، ثقافة ارتكاب الخطأ بطريقة صحيحة.
لم أتخَّيل أبداً أن يحصر أحد ما مرات فشله وخيباته و هزائمه ويعلقها بكل فخر و بهذه الطريقة، ففي ثقافتي إن فشل الطالب في تجاوز مادة دراسية يؤكد على أسرته مراراً: ” هيَّا لا حد يدري”.
لم يأخذني من حالة الدهشة هذه إلا قصة اللاعب الأمريكي مايكل جوردان الذي كان أعظم لاعب كرة سلة أمريكي، يقول في أحد اللقاءات: لقد فشلت في تسجيل 9000 رمية ،وخسرت 300 مباراة في تاريخي المهني ،لقد فشلت كثيراً و لهذا السبب نجحت أكثر.
كانت قصة مايكل جوردان الهزَّة الفكرية الثانية بالنسبة لي شخصياً، فهذه ثقافة مختلفة عن ثقافتي و تنشئتي العربية اختلافاً كلياً، تلك الثقافة التي تجعلنا نُفَرِّغ جام غضبنا من الفشل بتمزيق الوثيقة التي تذكرنا به أو التي تثبت فشلنا وبشكل رسمي كورقة الإمتحان مثلاً.
تلك الثقافة السلبية التي تجعل بعض شبابنا يحول طاقة الغضب العارمة داخله من جرَّاء تجربة الفشل إلى أحجار معسِّل يشربها وينفثها دوائر في الهواء ليثبت أنه” فاهم و صاحب مزاج” وهو ” ماعندك أحد” ليخسر صحته و يساهم في زيادة ثروة صاحب المقهي ،فيما يزداد الشاب خيبة أخرى.
ازددت شوقاً للبحث و لمعرفة المزيد عن ثقافة الخطأ لدى الغرب، فهذه تجربتين فرديتين لا أكثر، إلى أن أكتشفت التجربة الثالثة لإحدى الشركات الغربية و التي شدتني كثيراً وجعلتني أؤمن أن للفشل ثقافة خاصة إن طبقتها بشكل صحيح تصل لهدفك.
شركة هلويت باكارد ابتدعت يوما اسمته “ليلة الجمعة للإخفاق” تتيح فيه لموظفيها التعلَّم عن طريقة التجربة والخطأ ولا يحاسب أحداً على الأخطاء. وشركة ستيف الأمريكية أبتكرت جائزة اطلقت عليها ” اعترف بخطئك واحصل على 500 $” لتشجيع ثقافة الاعتراف بالخطأ و قد وفَّرت هذه الطريقة ملايين الدولارات لأخطاء بسيطة اعترف بها موظفيها و تم تداركها و علاجها قبل استفحالها.
لنتعلم من تجارب الآخرين كيف نسقط وكيف نقف مجدداً بشكل أقوى، كيف نفشل و أن لا نخشى أو نخجل من الفشل. كيف نتعامل مع أنفسنا ،و مع منجزاتنا وفشلنا رقمياً لنحسن تقييم و تحليل ذواتنا. الحياة لا تكون جميلة دون تجارب الفشل، و الخطأ إن ارتكبناه بطريقة صحيحة كبرت مساحة الصواب في حياتنا.
نشر بواسطة: mbakhshwin بوصة واو "ايجابيات الغرب"
عبدالله
مقال جميل ومدونه أروع … لولا الفشل عده مرات لما حصلت على الفرصه على التغير لما تحركت وبدأت من جديد في كندا ولو لا الفشل في كندا لما اخترت المسار الأفضل لي .عدد مرات الفشل هي مرات لم أكن فيها النسخهه الأفضل من نفسي .وأظن اذا اردتنا الربط بين النجاح الدراسي مع المهني هو الايمان بأن كل شخص له مهارته وبأن كل شخص له مكان في سوق العمل اذا بحث عن أقوى مهارته ووظفها في مجاله وبأن لا مجال أفضل من مجال
mbakhshwin
بالتأكيد أخي ، الفشل أول خطوة نحو النجاح، شكرا لمرورك
mbakhshwin
أنت تأتي متأخرا خير من أن لاتأتي، هذا هو لسان حالي الآن وردي لك الذي أتى متأخرا بعد عامين 🙂
🙂
شكرا لمرورك