images (1)

الدبابيس أنواع، و أحجام و أشكال و مهام، وكل نوع منها تقوم بمهمة معينة، بعض الدبابيس مخصصة للمهمات

الثقيلة، و أخرى للخفيفة، هناك دبوس وقانا الله شرَّه ألا وهو المختص بنقل ما يسمع ويرى أو بعبارة شعبية “ التدبيس على الأشخاص”، و هناك دبوس آخر برئ وغلبان و وظيفته مساعدتنا و يقوم فقط بالتدبيس على الورق.

قبل عدة أعوام وفي بداية حياتي الوظيفية ، كنت أعمل في منشأة يديرها رئيس تنفيذي رائع  يستدعيني من وقت لآخر و يطلب مني تقارير في مجال العمل.

في أحد الأيام  طلب مني أحد التقارير، فعكفت ساعات طوال على إعداده  وإخراجه في أبهى صورة، لا عجب في ذلك فهو الرئيس التنفيذي و مالك المنشأة أيضا.

أقول عكفت طوال الليل في منزلي أعد التقرير و أنظمه و أعدله، وقرأته عشرات المرات و كنت سعيدا بهذا الإنجاز لا سيما و أنا “ ذلك الموظف الصغير “ الذي يتعامل مع مالك المنشأة مباشرة وهذه فرصة كبيرة لموظف صغير ينتظر فرصة للصعود .

قضيت ليلتي و أنا أحلم بلقاء الرئيس التنفيذي و مالك المنشأة و تخيلته وهو يشكرني و يثني على التقرير.

في صباح اليوم التالي أخذت التقرير الذي كان عبارة عن ورقتين و توجهت به لمكتب الرئيس تنفيذي وطوال الطريق من مكتبي لمكتبه وأنا أسير بكل فخر بالتقرير و كنت أمشي و أنا أحتضنه.

دخلت مكتب الرئيس بخطوات واثقة، وقدمت له التقرير، كنت أراقب وجه سعادة الرئيس و قسماته بإهتمام، بدأ القراءة، ٣ ثواني فقط وتوقف، رفع رأسه وسألني: ماهذا؟ ثم أشار إلى الدبوس الذي يمسك الورقتين، رفعت رأسي مندهشا و أجبت: دبوس طال عمرك.

قال: أعرف أنه دبوس، لكن لماذا وضعت دبوسين لتثبيت ورقتين، ألم يكن كافياً دبوس واحد وكان سيقوم بالمهمة.

هززت رأسي مندهشاً وأنا أتمتم بيني وبين نفسي: يعني ترك كل التقرير وركز على الدبوس.

تصببت عرقاً و خجلا و أصبت بصدمة لا يتحملها قلب موظف صغير،  لم أذكر من ذلك اللقاء سوى حكاية الدبوسين.

 images

بعد عدة سنوات قليلة كبرت وزادت خبرتي الحياتية وعشت في كندا، وكنت مهتما بدراسة سياسات الشركات الكندية في توفير التكاليف، فشركة مثل وول مارت أكبر بائع للتجزئة في العالم لديها برنامج اسمه Take-it-Home أو كما أطلقت عليه أنا “سَيِّر على بيتك و كيسك معاك”  والتي وفرت لهم ملايين الدولارات، حيث تشجع الموظف على حمل كيس يجمع فيه مخلفاته لمنزله لتوفير تكاليف النفايات وعملية نقلها.

و كثير من المنشآت الكندية و الأمريكية لديها برامج خفض تكاليف، قد تبدو للوهلة الأولى أنها أشياء بسيطة وتافهة لكنها شيئا فشيئا تكاليفها باهظة، تقوم هذه الشركات بتحديد عدد محدد من ورق الطباعة لكل موظف و يتم الخصم منه الكترونياً في حال طباعة اي ورقة، ويحاسب الموظف لو تم استهلاك أكثر من ميزانيته الورقية.

بعد اطلاعي على تجارب الشركات العالمية، تذكرت الرئيس التنفيدي صاحب قصة “الدبوس”، لقد اكتشفت أنه أراد أن يعطيني درساً مجانيا في إدارة النفقات، وأنه كان يرمي لشي أكبر من مجرد دبوس، كان درسا مجانيا تعلمت منه الكثير.

اليوم كلما أمر بجوار أي دبوس أبتسم و أدعو لذلك الرئيس الرائع و أكتفي بدبوس واحد فقط.

٢١ مارس ٢٠١٤

—-

محمد باخشوين

@msb1208