قبل ٣ أعوام ذهبت لأحد المراكز التجارية لشراء بعض العطور، كعادتي أقوم بتجربة العديد من العطور الجديدة ثم لا ألبث أن أعود لشراء عطوري القديمة فولائي للقديم كبير.
استقبلني شاب في منتصف العشرينات بإبتسامة جميلة رحب بي و أجلسني أمامه، بدأ الشاب بعرض عطوره بطريقة غير تقليدية لم أشاهد مثلها، كان يبتدئ بتاريخ صناعة العطر، فكرته، الزهور المستخدمة فيه، بعض المعلومات عن صاحبه، و أهم المشاهير الذين يستخدمونه، ترتيب العطر في قائمة الـ Top 10 العالمية،
كان يسرد لي كل تلك المعلومات بثقة وكأنه محاضر جامعي خبير، أدهشتني كثيراً طريقته في العرض وهو البائع الذي لم تتجاوز خبرته عن الثلاثة أعوام، اضافة الى أنني عميل قديم لذات المحل وتعاملت مع معظم البائعين و لم يكن أحدهم يملك ولا ١٠ ٪ من معلوماته الغزيرة حتى أقدم العاملين في المحل قد يجيبك حين تسأله عن أي معلومة عن العطر بقول: لا أعرف.
كان بائع العطور الشاب يشرح لي تاريخ العطر وكأنه شخصية تاريخية كنابليون بونابارت مثلاً و كان يتحدث وتحس بحبه وعشقه لعمله.
سألته بعد إبداء إعجابي بمعلوماته وهل هذه المعلومات تعلمتها من إدارة المحل التي بدأت تهتم بتدريب بائعي العطور. أجاب مبتسماً أن كل هذه المعلومات جمعها و بإجتهاد شخصي من الإنترنت و من مواقع العطور العالمية و المواقع المتخصصة، اندهشت و اتبعت سؤالي بآخر: وهل كل ذلك كان بسبب طلب الإدارة منك بقراءة عامة حول العطر، قال لا ولكنها بدافع داخلي فيجب أن أُلِمَّ بتفاصيل سلعتي إن أردت تسويقها بصدق.
في نهاية اللقاء اشتريت عطوري هذه المرة ( عطور جديدة ) كلياً، صافحت الرجل بحرارة وحفزته و غادرت المكان.
مرت سنتين على ذلك اللقاء وفي مساء أحد الأيام دخلت لذات المحل فقلبت بصري أبحث عن ذلك البائع ولكني لم أجده، سألت عنه فدلوني عليه، كان واقفاً بأناقة و ثقة في منتصف المحل ما أن شاهدني حتى تقدم نحوي و سلم علي و باعني أيضاً عطور جديدة وبذات الطريقة المدهشة ثم منحني كرته، نظرت للكرت فتفاجأت أنه مدير المعرض، هنأته على منصبه وكأنه قرأ علامة الاندهاش في عيوني فاصطحبني لمكتبه الجميل و بدأ يشرح لي قصة كفاحه و تميزه في فترة بسيطة و كيف أنه رفع من معايير العمل واشترط على جميع البائعين الجدد القراءة حول المنتج و المعلومات عنه و كيف أنه زود العاملين بكتيبات تحوي معلومات متنوعة ليقرأوا عنها.
أدهشني بائع العطور السابق ومدير المعرض الحالي، معلوماته التي جمعها، ذكاءه و مبادرته في البحث والتعلم ودون أن يطلب أحد منه ذلك، أدهشتني رغبته في التطور، و عدم اختلاقه أعذار واهية مثل: إدارتي لاتهتم بالتدريب، أو لا يمكنني ان اجد فرصة للترقية وهناك أقدم مني لم يتم ترقيته.
كانت قصة نجاح متميزة و رائعة عنوانها المبادرة و الإصرار.
محمد باخشوين
نشر بواسطة: mbakhshwin بوصة ١/٢ الكأس الممتليء
أحدث التعليقات